الظل وراء الباب - ريهام ماجد جادالله


 **الظل وراء الباب**

كانت الليلة باردة كعادتها في هذا الوقت من العام. شوارع المدينة مهجورة، والهدوء يخيم على كل شيء، ما عدا قلب "مصطفى"، الذي لم يكن يشعر بأي طمأنينة منذ أيام. كان يجلس في غرفة معيشته، يحدق في الباب المغلق أمامه. في داخله، إحساس متزايد بأن شيئًا ما يختبئ خلفه، يراقبه بصمت منذ فترة ليست بالقصيرة.

بدأت القصة قبل أسابيع قليلة، في البداية كان الأمر مجرد لمحات عابرة؛ شعور بأن أحدهم يراقبه من زوايا المنزل، أو همسات لم يكن يستطيع تحديد مصدرها. لكن الأمر سرعان ما تصاعد. في كل مرة يقترب من الباب المغلق، كان يشعر بأن هناك من يحدق به من خلفه. في البداية تجاهل هذا الشعور، محاولًا إقناع نفسه بأنه مجرد توتر نفسي بسبب العمل، لكن الأيام أثبتت له أن هناك شيئًا أكثر خطورة يحدث.

في إحدى الليالي، وبينما كان جالسًا يقرأ كتابًا، لمح من زاوية عينه ظلًا يتحرك خلف الباب. التفت بسرعة، لكن لم يكن هناك شيء. شعر ببرودة تسري في جسده. نهض بتردد وتوجه إلى الباب، وضع يده على المقبض وفتح الباب بعنف، لكن خلفه لم يكن هناك سوى الظلام والصمت. **لا شيء**. عاد إلى مقعده محاولًا تجاهل الأمر، لكن إحساسه الداخلي كان يخبره أن هناك شيئًا يراقبه.

كل ليلة، كانت الأمور تزداد غرابة. أصبح مصطفى يشعر بأن هذا الظل، الذي لم يكن يرى منه سوى لمحات، يزداد اقترابًا. في البداية كان يراه فقط خلف الأبواب، لكنه الآن يشعر به خلف النوافذ أيضًا. عندما يجلس ليلًا، كان يرى انعكاس صورته في زجاج النافذة، لكن خلفه دائمًا كان هناك شيء غامض، ظلٌّ يقف بصمت، يراقبه.

بدأ مصطفى يتساءل عما إذا كان هذا الشيء موجودًا بالفعل أم أنه مجرد نتاج خياله. هل أصبح عقله يلعب به؟ قرر في إحدى الليالي أن يضع حداً لهذا الكابوس. جمع شجاعته، وقف أمام باب غرفته المغلق، هذه المرة لن يتراجع. وضع يده على المقبض ببطء، فتح الباب دفعة واحدة... ولكن لا شيء. الغرفة المجاورة كانت فارغة كما هي دائمًا.

لكن تلك الليلة كانت مختلفة. بعد دقائق من فتح الباب، وبينما كان يحاول العودة إلى طبيعته، سمع صوتًا. كان صوت خطوات بطيئة وقادمة من خلفه. تجمد في مكانه. لم يكن قادرًا على الحركة. الصوت كان يقترب. فجأة شعر بتيار بارد يمر بجانبه، وكأن شيئًا غير مرئي يتحرك بالقرب منه.

التفت سريعًا، لكن لم يكن هناك أحد. بدأ جسده يرتعش، وأنفاسه تتسارع. قرر أن ينهي هذا الأمر. توجه إلى المطبخ وأخذ مصباحًا يدويًا. عاد إلى غرفة المعيشة وبدأ يبحث في كل زاوية من المنزل. فتح كل الأبواب، نظر تحت الأثاث، فتح النوافذ، لكن لم يكن هناك أي أثر لشيء غريب.
 
مع مرور الليالي، بدأت حالة مصطفى تتدهور. أصبح النوم شيئًا مستحيلًا. كانت العيون تراقبه باستمرار، حتى في وضح النهار. في العمل، في الشارع، في كل مكان ذهب إليه، كان يشعر بوجود هذا الكائن خلفه. كان يلتفت بسرعة في كل مرة، لكن لا يجد شيئًا سوى الفراغ. أصبح يتساءل إذا كان قد بدأ يفقد عقله.

وفي إحدى الليالي، استيقظ مصطفى فجأة على صوت قوي قادم من باب غرفته. كان الباب يهتز بعنف، وكأن أحدهم يحاول فتحه من الخارج. هرع إلى الباب، فتحه بقوة، لكن خلفه كان الظلام فقط. هذه المرة، لم تكن مجرد أوهام. سمع بوضوح صوت أنفاس ثقيلة خلفه، وشعر بيد باردة تلامس كتفه.
 
التفت مرعوبًا، ولكن لا أحد كان هناك. بدأ قلبه يخفق بجنون، أدرك أن هذا الكائن الغامض لم يعد مجرد خيال في ذهنه، لقد أصبح حقيقة. لم يعد يستطيع تجاهله. كان هذا الظل يحاصره في كل مكان، يسخر من عقله، يدفعه إلى حافة الجنون.

تزايدت اللقاءات بينه وبين الكائن. كلما اقتربت الليالي المظلمة، كلما أصبح وجود الظل أكثر وضوحًا، وأصبحت الأبواب والنوافذ مسرحًا لنظراته الباردة. كان مصطفى يشعر بأن هناك شيئًا ما على وشك الحدوث، شيئًا لن يستطيع الهروب منه هذه المرة.

ذات ليلة، وبينما كان يقف أمام نافذته يراقب المدينة الهادئة، شعر بشيء يقف خلفه مباشرة. كانت أنفاسه تتسارع، لكنه لم يلتفت. كان يعلم أن الظل يقف هناك، يراقبه كما يفعل دائمًا. أخذ نفسًا عميقًا، وقرر أخيرًا أن يواجهه. التفت ببطء، ورأى الظل بوضوح. كان يقف هناك، مظلمًا وغامضًا، بلا ملامح. لم يكن مجرد ظل، بل كيان حقيقي، يقف أمامه مباشرة.

لم يعد بإمكان مصطفى التمييز بين الحقيقة والخيال. هل هذا الكائن موجود فعلًا؟ أم أنه مجرد نتاج عقله المتعب؟ مع كل ليلة تمر، كانت الحدود بين الواقع والوهم تتلاشى أكثر وأكثر. ما هو مؤكد أن هذا الظل لم يعد يقف خلف الأبواب والنوافذ فقط، بل أصبح جزءًا من حياة مصطفى، يطارده في كل لحظة، وكأنه انعكاس لجزء منه لا يستطيع التخلص منه.

**النهاية.**

إرسال تعليق

0 تعليقات