الظل وراء الباب- الجزء الثاني- ريهام ماجد جادالله


**الظل وراء الباب: العودة**

مرّت أسابيع طويلة على مصطفى منذ تلك المواجهة المرعبة مع الظل. ظنَّ في البداية أنه سينهار، أن عقله لن يتحمل وطأة ما حدث، لكن الأمور بدأت تأخذ منحنى مختلفًا. لم يختفِ الظل، بل أصبح جزءًا ثابتًا من يومياته. لكن شيئًا غريبًا حدث... مصطفى لم يعد يخاف كما كان في السابق.

في البداية، كان هذا الشعور يربكه. كيف يمكن أن يعتاد على كائن غامض يطارده؟ هل تعايش مع الجنون؟ كان يشعر بوجود الظل حوله في كل مكان، في البيت، في العمل، وحتى في الشوارع. لم يكن يظهر له بشكل واضح كما في تلك الليلة، لكنه كان يشعر بأنفاسه، بنظراته التي تراقبه من بعيد.

وفي إحدى الليالي الباردة، بينما كان مصطفى جالسًا على سريره يفكر في ما وصل إليه، حدث شيء غير متوقع. كان الظلام يحيط بالغرفة، ولكن على غير العادة، شعر مصطفى بحركة غريبة خلفه. لم يكن الصوت مجرد خطوات أو همسات كما كان في السابق؛ هذه المرة، شعر بحركة ملموسة، كأن شيئًا يقترب منه ببطء. تجمّد في مكانه، قلبه ينبض بجنون، لكن الفضول تغلّب على خوفه. استدار ببطء، ليجد نفسه أمام الظل مرة أخرى.
                          
لكن هذه المرة، كان الظل مختلفًا. لم يكن مجرد كيان غامض يقف في الزاوية، بل بدا أكثر تجسيدًا، كأنه بدأ يأخذ شكلًا حقيقيًا. كان أطول مما تخيله، وجسده مظلم كالسواد المطلق، لكنه لم يكن مخيفًا كما في السابق. شعور غريب بالترقب اجتاح مصطفى، وكأن هذا اللقاء كان متوقعًا منذ فترة طويلة.

بصوت خافت، لكنه واضح، سمع مصطفى كلمات لم يتوقعها:  
**"لماذا تحاول الهروب؟"**

تجمد الدم في عروقه. لم يكن يتخيل أن هذا الكيان قادر على الكلام، أو ربما لم يكن يتوقع أن يسمعه. للحظة، لم يعرف كيف يرد. هل كان هذا حقيقيًا أم أن عقله أخيرًا استسلم للوهم؟ لكن الكلمات كانت واضحة، واقعية جدًا لتكون وهمًا.

تجرأ مصطفى على الحديث أخيرًا، وبصوت متقطع قال:  
**"من... ماذا تكون؟"**

الظل لم يرد بشكل مباشر، بل أخذ خطوة أخرى إلى الأمام. أصبح قريبًا بما يكفي ليشعر مصطفى بالبرد الذي ينبعث منه. ومع ذلك، لم يكن هناك أي تهديد مباشر. كان هناك شيء أكثر عمقًا، كأن الظل يحمل معه حقيقة غامضة، شيء لم يدركه مصطفى بعد.

**"أنا جزء منك. أنا الظل الذي تتجاهله، الذي تخفيه في أعمق زوايا عقلك. لطالما كنت هنا، أراقب، أنتظر اللحظة المناسبة."**

شعر مصطفى برجفة تسري في جسده، لكن هذه المرة لم تكن من الخوف، بل من الإدراك. بدأ يفهم، ولو جزئيًا، أن هذا الكائن لم يكن مجرد تهديد خارجي. لقد كان شيئًا داخليًا، شيئًا مدفونًا في عقله، في قلبه، في روحه.
                          
تذكر فجأة كل الليالي التي قضاها وحيدًا، كل مخاوفه التي حاول تجاهلها. لم يكن الظل سوى تجسيد لتلك الأجزاء المظلمة من ذاته، تلك الأفكار والمخاوف التي لم يكن يريد مواجهتها.

**"وماذا تريد مني؟"** سأل مصطفى بحذر.

الظل اقترب أكثر، وكان صوته أكثر هدوءًا لكنه محمل بالقوة:  
**"أن تقبلني. أن تفهمني. لست هنا لأؤذيك، لكنك إن استمررت في تجاهلي، فإننا سنصبح أعداءً."**

بدأت الأفكار تتجمع في رأس مصطفى. ربما كان هذا الظل ليس عدوًا كما تخيل، بل مرآة تعكس تلك الجوانب التي طالما هرب منها. الخوف، الألم، الندم... كلها كانت تتجسد في هذا الكائن.

لكن مصطفى لم يكن جاهزًا بعد لتقبل هذه الفكرة تمامًا. سأل بصوت مرتعش:  
**"كيف أقبل شيئًا كهذا؟ كيف أتعامل مع كيان يطاردني؟"**

الظل تراجع خطوة إلى الوراء، وكأنه يمنح مصطفى مساحة للتفكير.  
**"لا يمكنك الهروب إلى الأبد. قد تخفي مشاعرك، قد تتجاهل مخاوفك، لكني سأظل هنا. أنا لست عدوك، أنا جزء منك. افهمني، وستجد السلام."**

في تلك اللحظة، شعر مصطفى بشيء من الهدوء يتسلل إلى داخله. كان هذا الهدوء غريبًا، لكنه كان واقعيًا. لم يعد الظل يمثل تهديدًا، بل بات دعوة لمواجهة ما كان يخشاه. أدرك أنه لن يجد راحته إلا بمواجهة تلك الأجزاء المظلمة من داخله، تلك التي لطالما حاول تجاهلها.

لكن قبل أن يتمكن من الرد، بدأ الظل يتلاشى ببطء في الظلام المحيط. لم يكن هناك كلمات وداع أو تهديدات إضافية، فقط اختفاء تدريجي كما لو أن هذا اللقاء كان جزءًا من رحلة أطول بكثير. ترك مصطفى وحده في الغرفة، مع تفكير عميق يغلي في ذهنه.

في الصباح التالي، لم يكن مصطفى هو الشخص ذاته الذي كان بالأمس. لم يكن الظل قد رحل تمامًا، لكنه لم يعد يشعر بأنه مطارد. بدلاً من ذلك، بدأ يرى الظل على أنه رفيق رحلته، جزءًا من ذاته يجب أن يتعلم العيش معه، وربما في يوم ما، يتقبله بالكامل.

لكن القصة لم تنتهِ بعد. كان هناك شعور متزايد بأن الظل سيعود مرة أخرى، وفي تلك اللحظة، كان مصطفى يعلم أنه سيكون مستعدًا لمواجهته... وربما هذه المرة لن يكون هناك صراع.

**النهاية... أم أنها البداية؟**

إرسال تعليق

0 تعليقات